الشاعر محسن العويسي
وأنا أغنّي كان يتبعني الجنوبُ إلى المياهْ
كانت قواربُ موتِنا
قد أنبأتنا أن أندَلُساً تلوِّحُ نحونا
وأصابعُ البشرى
تفتّشُ عن يدِ امرأةٍ تربِّي جُرحَنا
لِتخيطَ أمطارَ الرحيلِ
على وجوهٍ لم تَذُقْ من صوتها غيرَ الصدى
لتضيءَ فوقَ شفاهنا قُبَلاً من اللَّبلابِ بلّلها الندى
***
وأنا أغنّي كانتِ الأسماءُ تهربُ من فمي
كسبيَّةٍ كَتَبَت وَصِيَّتَها على رملِ البكارةِ قبل أن تَلِدَ المياهْ
البَدْءُ طينٌ والنهايةُ أَلْفُ آهْ
البَدْءُ طينٌ والنهايةُ وجهُها المائيُّ تُشعِلُهُ لِحىً ما آمَنَتْ بالماءِ إلا
في غياهبِ شهوةٍ مجنونةٍ خُطَّتْ على سبّورةٍ عذراءَ مارَسَتِ المياهُ
بها نشيدَ جهادهم فاغرورقَتْ مدنٌ وَهَمَّتْ بالنعاسْ
يا ألفَ أغنيةٍ بَتكبيرٍ تُداسْ
عوليسُ يسألُ صخرةَ الإغريقِ
عن وطنٍ أضاعَتْهُ العمامةُ واللباسْ
سبعٌ وسبعٌ قَدْ مضينَ وقيدُهُ أَبَدٌ تشيّدُهُ وعودُ
الليلُ يهذي والبلادُ غريبةٌ فمتى تعودُ
***
وأنا أغني كنت أحمل في يدي منفى
وفي الأخرى بلاداً مستحيلةْ
الفجرُ يبذرُ في المياهِ سنابِلي ,
وعلى سنامِ قصيدتي قلقٌ نما
يستلُّ خاصرةَ الحروفِ فيرقصُ المعنى على لغةٍ قتيلةْ
لا شفرةٌ للوقتِ لمّا وقتُهُ يمضي لترميمِ الصباحْ
وأنا أغنّي يغتلي قِدْرُ الخليفةِ بالطهاة الجائعينْ
كانوا حرائقَ أمسِهم
كانوا أثافيَّ الفتاوى والنّباحْ
أَمْ ما لأفواهٍ تُشرِّعُ جوعَها خبزاً بتنّور الحروبِ المستبدّةِ
بالهلالِ وبالصليبِ ونجمةٍ أخرى تمسِّدُ شَعرَها صبحاً بكذبةِ حائطٍ يستلُّها مثلَ الجديلةْ؟!
***
وأنا أغنِّي كنتُ أحملُ سلَّةَ التفّاحِ من شجرِ القصيدةْ
لِيُحَدِّقَ التوتُ البليدُ معي بذاكرةِ الطين البليدةْ
أنَّ التقاءَ الموتِ في الوطنِ المهَيَّأِ للهبوطِ
بِيَدَيْ عمائمهم توضَّأَ بالسقوطِ
***
قالوا لنا في الضفة الأخرى إلهْ
هو ليس مثلَ إلهنا يزني ويقترفُ الصلاةْ
هو عاشقٌ يصغي لغرقى الصبحِ من ماءٍ يتمتمُ حولَهُ
بدرٌ هلاميٌّ بقلبٍ عابثٍ لا ظلَّ يدنو منهُ غيرَ بقيةٍ
من قاربٍ علقت على خشباته ضحكاتُ طفلٍ لم يزل
في القاعِ يرسمُ موطناً من ميِّتينَ لهم ملامحُ هدهدٍ من دونِ
أجنحةٍ وها قد هَدَّهُ سُكْرٌ مُبينْ
في الضفةِ الأخرى إلهةُ عَاشِقِينْ
يدها نبيذُ خلاصِهم
ونشيدُ نسرٍ كانَ رمزاً للمنايا في شِعارِ بلادهم
الآنَ ناموا يا صغاري مُترفِينْ
قالت وقد نامَ عالضجيجُ برأسهم فاستيقظَ الحلمُ الجديدُ
على حكايةِ أمِّهم
الآنَ ناموا يا صغاري مُتْرَفِينْ